يعيش الكيان الإسرائيلي صورة ضبابية بشأن تشكيل الحكومة المُقبلة، في ضوء نتائج الانتخابات الـ22 لـ "الكنيست"، التي أفرزت مُعسكرين مُتقاربين، لكن من دون مُنتصر باستطاعته أن يُشكّل حكومة بشكل مريح، ما يُصعّب مهمة التأليف، ما يزيد من احتمالات التوجه إلى انتخابات ثالثة، بعد حل "الكنيست".
ويظهر بوضوح أن غالبية الأحزاب الفاعلة، تُطلق شعارات ومواقف تُؤكد الحرص على الوحدة، فيما عينها وهدفها على إجراء انتخابات تستفيد فيها من أصوات الناخبين، وحثهم على رفع نسبة التصويت التي بلغت بعد فرز 99.8% من مجموع الأصوات، 69.72%، بما يضمن الفوز بمقاعد إضافية يكون فيها للصوت تأثير وتغيير للحسابات.
وسيكون رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، في موقف غير مسبوق بتاريخ الكيان في تسمية عضو "الكنيست" الذي سيكلفه تشكيل الحكومة، في ضوء المُشاورات التي سيبدأ بها غداً (الأحد) مع الكتل البرلمانية الفائزة.
ومن سيكلفه ريفلين لتشكيل الحكومة في موعد أقصاه 25 الجاري، فإن لديه مُهلة 4 أسابيع تنتهي في 23 تشرين الأول المُقبل، ولديه إمكانية تمديدها لأسبوعين إضافيين تنتهي في 6 تشرين الثاني المقبل، وبعدها سيكون رئيس الكيان الإسرائيلي مُضطراً إلى إجراء استشارات جديدة مع الكتل البرلمانية خلال 3 أيام، ليقوم في 9 تشرين الثاني بتكليف مُرشح ثانٍ لتشكيل الحكومة، وإذا لم ينجح المُكلف خلال مهلة 28 يوماً، تُمنح "الكنيست" 3 أسابيع لتسمية مُرشح ثالث لتشكيلها، وإلا يتم حل "الكنيست" والذهاب إلى انتخابات مُبكرة، إلا إذا أقدم المُرشح الأول على الخيار الثالث، وهو حل "الكنيست" قاطعاً الطريق على مُرشح ثانٍ كما فعل نتنياهو.
النتائج النهائية للانتخابات
وأظهرت النتائج النهائية للانتخابات - غير الرسمية - أمس، أن مُعسكر "اليمين - الحريديم" نال 55 مقعداً، ومُعسكر "الوسط - يسار" 44 مقعداً، مع نيل "القائمة المُشتركة" 13 مقعداً، و"إسرائيل بيتنا" 8 مقاعد.
ونشرت اللجنة المركزية للانتخابات، النتائج شبه النهائية، باستثناء نتائج 15 صندوقاً، بينها 14 صندوقاً لا تزال قيد الفحص بداعي أنه حصلت فيها خلال الانتخابات "أحداث استثنائية تتصل بنزاهة الانتخابات".
كما لا تشمل النتائج صندوقاً في قرية الفريديس بادعاء أنه "حصل تزييف للنتائج"، وتم تحويل ذلك إلى الشرطة للتحقيق.
ووفقاً للنتائج شبه النهائية، بعد فرز 99.8% من مجموع الأصوات، فإن حزب "أزرق أبيض" برئاسة غانتس نال 33 مقعداً، يليه "الليكود" برئاسة نتنياهو بـ31 مقعداً، "القائمة المُشتركة" برئاسة أيمن عودة في المرتبة الثالثة ونالت 13 مقعداً، "شاس" 9 مقاعد، "إسرائيل بيتنا" و"يهدوت هتوراه" ولكل منهما 8 مقاعد، "إلى اليمين" 7 مقاعد، و"العمل -غيشر" 6 مقاعد و"المُعسكر الديمقراطي" 5 مقاعد.
وتشير مُعطيات اللجنة إلى أنه شارك في التصويت 4.458.167 مُقترعاً من بين 6.394.030 من أصحاب حق الاقتراع، وبلغت نسبة التصويت للأصوات التي تم فرزها 69.72%. أما عدد الأصوات الصحيحة فقد وصل إلى 4.430.566 صوتاً، في حين وصل عدد الأصوات اللاغية إلى 27.601 صوت.
أما عدد الأصوات التي كانت مطلوبة لتجاوز نسبة الحسم فهي (3.25%) وكانت 143.993 صوتاً.
وجاءت الأصوات والنسب، وفق الآتي: "أزرق - أبيض" حصل على 1.148.700 صوت - أي ما نسبته 25.93%، في حين حصل "الليكود" على 1.111.535 صوتاً - أي ما نسبته 25.09%، أما "القائمة المُشتركة" فقد حصلت على 470.611 صوتاً - أي ما نسبته 10.62%، يليها "شاس" الذي حصل على 309.688 صوتاً - أي ما نسبته 7.44%، "إسرائيل بيتنا" حصل على 309.688 صوتاً - أي ما نسبته 6.99%، "يهدوت هتوراه 268.688 صوتاً أي ما نسبته 6.06%، "إلى اليمين" 260.339 صوتاً - أي ما نسبته 5.88%، "العمل - غيشر" 212.529 صوتاً - أي ما نسبته 4.80% و"المُعسكر الديمقراطي" 192.261 صوتاً أي ما نسبته 4.34%.
فيما لم يتجاوز حزب "عوتسما يهوديت" الكهاني برئاسة العنصري إيتمار بن غفير، نسبة الحسم، حيث حصل على 83.266 صوتاً أي ما نسبته 1.88%.
وخلال الأيام المُقبلة، وقبل الإعلان عن النتائج الرسمية، ستقوم اللجنة بفحص نحو 2000 صندوق، تم اختيار بعضها بشكل عشوائي وبموجب معايير مُختلفة، وأخرى بحسب أحداث وقعت خلال يوم الانتخابات، استكملت اللجنة فحص نحو 740 صندوقاً.
مُحاولات غانتس
هذه النتائج جعلت كل الاحتمالات واردة، في ظل مُحاولات رئيس حزب "أزرق - أبيض" غانتس، الذي نال 33 مقعداً، تشكيل أول حكومة له، وهو يحتاج إلى أصوات حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان.
ولن تتوقف مُحاولات غانتس عن ضم بعض الأحزاب من مُعسكر "اليمين - الحريديم"، والعمل على تذليل الخلافات السابقة التي كانت بينهم وبين نائبه يائير لابيد، مع تفضيل عدم الخوض في مثل هكذا تجربة، انطلاقاً من أن أصوات المُقترعين التي نالها، كانت لطرحه حكومة "علمانية" أو "ليبرالية" - أي من دون "الحريديم"، ولن يكون باستطاعته التراجع عما طرحه في البرنامج الانتخابي لحزبه، وهذه النقطة - أي عدم إعطاء دور إلى الأحزاب "الحريدية" يلتقي فيها مع ليبرمان.
وقد رفض حزب "أزرق - أبيض" عرض نتنياهو، الذي هيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي في السنوات العشر الأخيرة من دون مُنافس فعلي.
بل إن غانتس لم يذكر نتنياهو حتى بالاسم، وترك لقادة أصغر في حزبه مُهمة التأكيد على تعهده الانتخابي بعدم الدخول في تحالف مع رئيس الوزراء الذي يُواجه اتهامات بالفساد، ينفيها نتنياهو.
ليبرمان "بيضة القبان"
من جهته، يُدرك ليبرمان، أنه "بيضة القبان" وأن بإمكانه ترجيح كفة أي من مُعسكري "اليمين - الحرديم" أو "الوسط - يسار" لتشكيل الحكومة، بينما هو يطمح إلى تشكيل حكومة تضم "الليكود" و"أزرق - أبيض" وحزب "إسرائيل بيتنا" الذي يترأسه بما يُؤدي إلى إقصاء حلفاء نتنياهو من "الحريديم" الذين أصبحوا خصومه اللدودين.
ويُلاحظ أن ليبرمان انتهج خطاً مُتشدداً تجاه القضايا التي تتعلق بالأمن والدين والدولة، ما أدى إلى تعزيز تمثيله في الانتخابات الأخيرة برفع عدد النواب من 5 إلى 8، بعدما رفض إغراءات نتنياهو في تشكيل الحكومة السابقة، ما أدى إلى فشل الأخير بتأمين الثقة في "الكنيست"، وحلها ليتم إجراء انتخابات ثانية خلال 5 أشهر.
وعلق ليبرمان على تواصل نتنياهو وغانتس بعد الانتخابات بالقول: "إن نتنياهو مُجرد انتهازي، يسعى إلى التحايل على خصومه لتهيئة الرأي العام لجولة ثالثة من الانتخابات".
ونفى ليبرمان، أمس، صحة ما نشر في وسائل الإعلام، حول التوصل إلى تفاهم مع "أزرق - أبيض" حول انضمام حزبه إلى أي حكومة سيتم تشكيلها برئاسة غانتس.
وكتب ليبرمان على حسابه الرسمي بموقع "فيسبوك"، إنه لم يتحدث بعد مع زعيم "الليكود" نتنياهو ولا مع غانتس، مُلمحاً إلى أنه لا مُشكلة لديه إذا اضطر إلى عدم المُشاركة بالحكومة، والانضمام إلى المُعارضة.
وأكد أنه "لا ينوي التحدث مع أي منهما قبل التئام كتلته البرلمانية، يوم غد (الأحد)".
وانتقد ليبرمان، نتنياهو وتصريحاته العنصرية، التي حرضت المُواطنين العرب على المُشاركة في الانتخابات، ما أدى إلى رفع نسبة التصويت، ملمحاً إلى أنه "كان له الفضل بتحقيق "القائمة المُشتركة" إنجازاً في الانتخابات"، ومقترحاً على رئيس القائمة عودة، "إرسال باقة ورود إلى نتنياهو لشكره بالتزامن مع دخول السبت".
وفي ما يتعلق بغريم اليوم وصديق الأمس، الأحزاب "الحريديم"، أوضح ليبرمان أنه لن يتنازل عن الشروط التي حددها وتسببت بحل الكنيست الـ20 والذهاب إلى انتخابات مُبكرة، وأفشلت مساعي نتنياهو تشكيل حكومة عقب الانتخابات الـ21 التي جرت في نيسان الماضي، ما أدلى إلى انتخابات ثانية.
وجدد ليبرمان مَطالبه التي تتعلق بالدين والدولة كشرط للتحالف، وهي: المُصادقة على قانون التجنيد، الزواج المدني، إتاحة التهويد بواسطات حاخامات السلطات المحلية، فرض تعليم العلوم واللغات على المدارس الدينية، إتاحة مُواصلات النقل العام وفتح المصالح التجارية أيام السبت.
"مُقايضة" نتنياهو
في غضون ذلك، ما زال نتنياهو يعيش هاجس الصدمة التي أبعدته عن الواجهة، وقللت من حظوظه بتشكيل حكومة مع ارتفاعها لصالح غانتس، لذلك يعمد إلى إبعاد شبح مُواجهته ملفات الفساد بالظهور بمظهر الحريص على تشكيل حكومة وحدة مع "أزرق أبيض"، وهي حقيقة لا يُؤمن بها، بل لكسب الرأي العام، وأمنيته التوجه إلى انتخابات ثالثة قريبة، وهو ما يلقى مُعارضة كثر داخل حزب "الليكود"، وحتى لا يتم تحميله مسؤولية ذلك ما يُؤدي إلى فقدانه تمثيلاً في "الكنيست"، كما جرى الآن، حيث نال "الليكود" 31 مقعداً وحل ثانياً، بعدما كان قد حصد في الانتخابات الماضية 35 مقعداً وما ناله في الانتخابات الأخيرة يُعتبر خسارة، لأن المجموع هو من أصل 39 مقعداً كان يتمثل بها "الليكود" مع حزب "كلنا" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، الذي حصل في الانتخابات الماضية على 4 مقاعد، وإئتلفا بلائحة واحدة.
وتتجه الأنظار إلى مثول نتنياهو في مكتب المُستشار القضائي للحكومة، في جلسة الاستجواب بلوائح التهم المُوجهة إليه، والتي قد تقوده إلى السجن، لذلك يسعى إلى القيام بأي شيء ما حتى لو اقتضى الأمر شن عدوان على غزة، للهروب من هذا المصير، ما يُضيق الخناق حول عنقه، خاصة بعدما رفض غانتس دعوته لتشكيل حكومة وحدة.
وكان نتنياهو ركز في الفترة الماضية على أن لا يُوافق أي عضو من "الليكود" غيره، على الترشح لرئاسة الحكومة، وأن يبقى موقف مُعسكر "اليمين - الحرديم" مُوحداً في المُفاوضات من أجل تشكيلها.
لكن جرى التداول بمعلومات، بأن نتنياهو، يدرس منذ أشهر عدة، بشكل سري، إمكانية أن يطلب من رئيس الكيان الإسرائيلي ريفلين، عفواً عن جميع القضايا المُوجهة إليه والتي فيها اتهامات، مُقابل تركه للساحة السياسية.
وأبدى نتنياهو تشاؤمه حول ما إذا كان ريفلين سيوافق على هذا الاقتراح.